فصل: (سورة الإسراء: آية 62)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشريف الرضي:

ومن السورة التي يذكر فيها بنو إسرائيل:

.[سورة الإسراء: الآيات 12- 13]

{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا (12) وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتابًا يَلْقاهُ مَنْشُورًا (13)}.
قوله سبحانه: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً} [12] وفى هذه الآية استعارتان إحداهما: قوله سبحانه: {فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ} والآية العلامة، والمراد بمحوها- واللّه أعلم- على قول بعضهم أي جعلنا ظلمة الليل مشكلة، لا يفهم معناها، ولا يعلم فحواها، لما استأثر اللّه تعالى بعلمه من المصلحة المستسرّة في ذلك.
وحقيقة المحو طمس أثر الشيء. من قولهم: محوت الكتاب. إذا طمست سطوره، حتى يشكل على القارئ، ويخفى على الرائي.
وقال قوم: آية الليل القمر خاصّة، ومحوه: تصيير تلك الطمسة في صفحته، حتى نقص نوره عن نور الشمس، لما يعلم اللّه سبحانه من المصلحة في ذلك، وآية النهار الشمس، وقال آخرون: بل آيتا الليل والنهار ضوء هذا في الجملة، وظلمة هذا في الجملة. لأن الضوء علامة النهار، والظلمة علامة الليل، على ما قدمنا ذكره، والاستعارة الأخرى قوله تعالى: {وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً} وفى ذلك وجهان: أحدهما أن يكون المراد أنا جعلناها مكشوفة القناع مبينة الإبصار، على خلاف آية الليل إذ جعلناها مشرجة الغلاف، بهيمة الأطراف.
والوجه الآخر أن يكون معنى مبصرة أي يبصر الناس فيها، ويهتدون بها كما تقدم قولنا في قولهم: نهار صائم، وليل نائم. أي أهل هذا صيام، وأهل هذا نيام، وكما يقولون: رجل مخبث. إذا كان أهله وولده خبثاء، ورجل مضعف. إذا كانت دوابه وظهوره ضعفاء. فعلى هذا يسمى النهار مبصرا، إذا كان أهله بصراء، وقد مضى الكلام على مثل ذلك فيما تقدم.
وقوله سبحانه: {وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} [13]، وهذه استعارة.
والمراد بالطائر هاهنا- واللّه أعلم- ما يعمله الإنسان من خير وشر، ونفع وضر، وذلك مأخوذ من زجر الطير على مذاهب العرب. لأنهم يتبركون بالطائر المتعرض من ذات اليمين، ويتشاءمون بالطائر المتعرض من ذات الشمال.
ومعنى ذلك أنه سبحانه يجعل عمل الإنسان من الخير والشر كالطوق في عنقه بإلزامه إياه، والحكم عليه به، وقال بعضهم: معنى ذلك أنا جعلنا لكل إنسان دليلا من نفسه على ما بيّناه له، وهديناه إليه، والعرب تقيم العنق والرقبة مقام الإنسان نفسه. فيقولون:
لى في رقبة فلان دم، ولى في رقبته دين. أي عنده، وفلان أعتق رقبة. إذا أعتق عبدا أو أمة، ويقول الداعي في دعائه: اللهم أعتق رقبتى من النار، وليس يريد العنق المخصوصة، وإنما يريد الذات والجملة.
وجعل سبحانه الطائر مكان الدليل الذي يستدل به على استحقاق الثواب والعقاب، على عادة العرب التي ذكرناها في التبرك بالسانح، والتشاؤم بالبارح.

.[سورة الإسراء: آية 24]

{وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيرًا (24)}.
وقوله سبحانه: {وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [24]، وهذه استعارة عجيبة، وعبارة شريفة، والمراد بذلك: الإخبات للوالدين، وإلانة القول لهما، والرفق واللطف بهما.
وخفض الجناح في كلامهم عبارة عن الخضوع والتذلل، وهما ضد العلو والتعزز إذ كان الطائر إنما يخفض جناحه إذا ترك الطيران، والطيران هو العلوّ والارتفاع، وقد يستعار ذلك لفرط الغضب والاستشاطة. فيقال: قد طار فلان طيرة. إذا غضب واستشاط، وقد أومأنا إلى هذا المعنى فيما تقدم من هذا الكتاب.
وإنما قال سبحانه: {وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [24]. ليبين تعالى أن سبب الذل لهما الرأفة والرحمة، لئلا يقدر أنه الهوان والضراعة، وهذا من الأغراض الشريفة، والأسرار اللطيفة.

.[سورة الإسراء: آية 29]

{وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29)}.
وقوله سبحانه: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ} [29]، وهذه استعارة، وليس المراد بها اليد التي هي الجارحة على الحقيقة، وإنما الكلام الأول كناية عن التقتير، والكلام الآخر كناية عن التبذير وكلاهما مذموم، حتى يقف كل منهما عند حده، ولا يجرى إلا إلى أمده، وقد فسّر هذا قوله سبحانه: {وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَوامًا}.

.[سورة الإسراء: الآيات 46- 47]

{وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْرًا وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُورًا (46) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلًا مَسْحُورًا (47)}.
وقوله سبحانه: {وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْرًا} [46]، وهذه استعارة. لأنه ليس هناك على الحقيقة كنان على قلب، ولا وقر في سمع، وإنما المراد أنهم- لاستثقالهم سماع القرآن عند أمر اللّه سبحانه نبيه عليه السلام بتلاوته على أسماعهم وإفراغه في آذانهم- كالذين على قلوبهم أكنّة دون علمه، وفى آذانهم وقر دون فهمه، وإن كانوا من قبل نفوسهم أتوا، وبسوء اختيارهم أخذوا، ولو لم يكن الأمر كذلك لما ذمّوا على اطراحه، ولعذروا بالإضراب عن استماعه.
وقوله سبحانه: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى} [47]، وهذه استعارة لأن النّجوى مصدر كالتقوى، وإنما وصفوا بالمصدر، لما في هذه الصفة من المبالغة في ذكر ما هم عليه، من كثرة تناجيهم، وأسرار المكايد بينهم، والصفة بالمصادر تدلّ على قوة الشيء الموصوف بذلك. مثل قولهم: رجل رضا، وقوم عدل، وما يجرى هذا المجرى.

.[سورة الإسراء: آية 59]

{وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا (59)}.
وقوله سبحانه: {وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً} [59]، وهذه استعارة، والمعنى: جعلنا الناقة آية مبصرة. أي مبصرة للعاشى، ومذكّرة للناسى، ومظنة لاعتبار المعتبر، وتفكر المفكر. لأن من عجائب تلك الناقة تمخض الصخرة بها من غير حمل بطن، ولا فرع فحل، وأنها كانت تقاسم ثمود الورد، فلها يوم ولثمود يوم قال سبحانه: {لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} فإذا كان يومها شربت فيه الماء، مثلما كانت ثمود تأخذ أشقاصها وزروعها، وأصرامها وشروبها، وهذا من صوادح العبر، وقوارع النذر.
وقال بعضهم: يجوز أن يكون معنى مبصرة هاهنا أي ذات إبصار، والتأويلان يؤولان إلى معنى واحد.

.[سورة الإسراء: آية 62]

{قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلًا (62)}.
وقوله سبحانه عن إبليس: {لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا} [62]، وهذه استعارة على بعض التأويلات في هذه الآية، وهو أن يكون الاحتناك هاهنا افتعالا من الحنك. أي لأقودنهم إلى المعاصي، كما تقاد الدابة بحنكها، غير ممتنعة على قائدها، وهى عبارة عن الاستيلاء عليهم، والملكة لتصرفهم، كما يملك الفارس تصرّف فرسه، بثني العنان تارة، وبكبح اللجام مرة.
وقال يعقوب في إصلاح المنطق: يقال: حنك الدابة يحنكها حنكا، إذا شدّ في حنكها الأسفل حبلا يقودها به، وقد احتنك الدابة مثل حنكها إذا فعل بها ذلك.
وقال بعضهم: لأحتنكنّ ذرّيّته. أي لألقينّ في أحناكهم حلاوة المعاصي، حتى يستلذوها، ويرغبوا فيها ويطلبوها، والقول الأول أحبّ إلىّ.
وقال بعضهم: لأستأصلنّ ذريته بالإغواء، ولأستقصينّ إهلاكهم بالإضلال، لأن اتباعهم غيه وطاعتهم أمره يؤولان بهم إلى موارد الهلاك، وعواقب البوار.
وقال الشاعر:
نشكو إليك سنة قد أجحفت ** واحتنكت أموالنا وجلّفت

أي أهلكت أموالنا.
ويقال: احتنكه إذا استأصله وأهلكه، ومن ذلك قولهم: احتنك الجراد الأرض.
إذا أتى على نبتها.
وقيل أيضا: المراد بذلك لأضيّقن عليهم مجارى الأنفاس من أحناكهم، بإيصال الوسوسة لهم، وتضاعف الإغواء عليهم، ويقال: احتنك فلان فلانا. إذا أخذ بمجرى النفس من حنكه، فكان كالشبا في مقلته والشجا في مسعله.

.[سورة الإسراء: آية 78]

{أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُودًا (78)}.
وقوله سبحانه: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ} [78]، وهذه استعارة. لأن الدالك: المائل في كلامهم. فكأنه سبحانه أمر بإقامة الصلاة عند ميل الشمس. فقيل عند ميلها للزوال، وقيل عند ميلها للغرب، والشمس على الحقيقة لا تميل عن موضعها ولا تزول عن مركزها، وإنما تعلو أو تنخفض، وترتفع بارتفاع الفلك وانخفاضه، وسيره وحركاته.

.[سورة الإسراء: آية 81]

{وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقًا (81)}.
وقوله سبحانه: {وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقًا} [81].
وهذه استعارة. لأنهم يقولون: زهقت نفس فلان إذا خرجت، ومنه قوله تعالى: {وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ} فالمراد- واللّه أعلم- وهلك الباطل إنّ الباطل كان هلوكا. تشبيها له بمن فاضت نفسه، وانتقضت بنيته. لأن الباطل لامساك لذمائه، ولا سماك لبنائه.

.[سورة الإسراء: آية 84]

{قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلًا (84)}.
وقوله سبحانه: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ} [84]، وهذه استعارة. لأن الأولى أن يكون المراد هاهنا بالشاكلة- واللّه أعلم- الطريقة التي تشاكل أخلاق الإنسان، وتوافق طبيعته، وذلك مأخوذ من الشاكلة، وجمعها شواكل، وهى الطرق المتّسعة عن المحجة العظمى. فكأن الدنيا هاهنا مشبّهة بالطريق الأعظم، وعادات الناس فيها، وطبائعهم التي جبلوا عليها مشبهة بالطرق المختلجة من ذلك الطريق، الذي هو المعمود وإليه الرجوع.
وقال بعضهم: الشاكلة العلامة، وأنشد:
بدت شواكل حبّ كنت تضمره ** في القلب أن هتفت في الدّار ورقاء

فكأنه تعالى قال: كلّ يعمل على الدلالة التي نصبت لاستدلاله، والأمارة التي رفعت لاهتدائه.

.[سورة الإسراء: آية 100]

{قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُورًا (100)}.
وقوله سبحانه: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ} [100]، وهذه استعارة، والمراد بالخزائن هاهنا المواضع التي جعلها اللّه سبحانه وتعالى جعات لدرور الرزق ومنافع الخلق، وإلى تلك المواضع ترفع الأيدى عند السؤال والرغبات، واستدراك الخير والبركات.

.[سورة الإسراء: آية 106]

{وَقُرْآنًا فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا (106)}.
وقوله سبحانه: {وَقُرْآنًا فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ} [106]، وهذه استعارة، ومعنى فرقناه: أي بيّناه للناس بنصوع مصباحه، وشدوخ أوضاحه، حتى صار كمفرق الفرس في وضوح مخطّه أو كفرق الصبح في بيان منبلجه.
وقال بعضهم: معنى فرقناه أي فصّلناه سورا وآيات، وذلك بمنزلة فرق الشعر، وهو تمييز بعضه من بعض، حتى يزول التباسه، ويتخلص التفافه. اهـ.